فيينا – في تطور سياسي غير مسبوق في النمسا، فشلت الأحزاب الكبرى في الوصول إلى اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الأخيرة، مما يعكس حالة من الاستقطاب السياسي في البلاد. وتأتي هذه الفجوة في محادثات الائتلاف في وقت حساس، حيث يظهر اليمين المتطرف، ممثلاً في حزب “الحرية النمساوي”، كمنافس قوي، ما يثير قلق الأحزاب التقليدية التي ترفض التفاوض مع هذه الفئة.
أزمة تشكيل الحكومة
بعد أسابيع من المحادثات المكثفة، أخفقت الأحزاب التقليدية مثل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الشعبي النمساوي في التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة موحدة. ورغم الاجتماعات المستمرة مع مختلف الأطراف السياسية، لم تتمكن هذه الأحزاب من تجاوز الخلافات حول قضايا رئيسية مثل الهجرة، والاقتصاد، والعدالة الاجتماعية.
وقد أشار محللون إلى أن هذه الإخفاقات قد تكون نتيجة تصاعد الانقسامات الداخلية في الأحزاب الكبرى، والتي كانت تعاني من انقسام في الرؤى والسياسات الأساسية. بينما كانت الأحزاب اليسارية تعارض بشدة التعاون مع الأحزاب اليمينية، فقد كانت هناك صعوبة في إيجاد أرضية مشتركة.
اليمين المتطرف يحقق تقدماً
في هذا السياق، يبدو أن حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف قد نجح في استغلال الفراغ السياسي، وزاد من شعبيته بين الناخبين. ويُتوقع أن يشهد الحزب مزيداً من النمو في الفترة المقبلة، مما يثير مخاوف حول مستقبل الديمقراطية في النمسا. حيث يتبنى الحزب سياسات متشددة بشأن الهجرة، ويؤيد تقليص حقوق اللاجئين والمهاجرين، ما يجعله خياراً جذاباً للناخبين الذين يعارضون السياسات الليبرالية للأحزاب التقليدية.
التحديات السياسية أمام الأحزاب الكبرى
الأحزاب الكبرى تواجه تحديات كبيرة في ظل الأزمة الاقتصادية المستمرة، والتي أضيفت إليها تداعيات جائحة كورونا. فيما تعتبر سياسات التقشف و إجراءات التقليل من التكاليف الحكومية قضايا محورية في البرنامج السياسي لكل من الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الشعبي النمساوي. لكن التوصل إلى اتفاق حول كيفية تنفيذ هذه السياسات ظل معضلة بين الأحزاب.
مخاوف من تحول المشهد السياسي
في الوقت الذي تسعى فيه الأحزاب التقليدية لتفادي انهيار الحكومة، يراقب المواطنون النمساويون الموقف عن كثب. ويخشى البعض أن يؤدي هذا الاستقطاب الحاد إلى تعطيل اتخاذ القرارات الهامة، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها البلاد.
العواقب المستقبلية
مع تزايد نفوذ اليمين المتطرف، قد يصبح من الصعب على الأحزاب الكبرى إتمام أي صفقات ائتلافية ناجحة في المستقبل. وفي حال استمر الوضع على هذا النحو، يمكن أن تكون النمسا أمام فترة من الشلل السياسي، حيث تتعثر مساعي تشكيل حكومة قادرة على اتخاذ القرارات المصيرية.
من جهة أخرى، فإن استمرار هذا المأزق قد يضر بمصداقية النظام الديمقراطي في النمسا ويزيد من حدة الاستقطاب في المجتمع. ويتساءل كثيرون إذا ما كانت القوى اليسارية واليمينية ستكون قادرة على التوصل إلى اتفاقات لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها البلاد.